اختار الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي ان ينتقم لنفسه على طريقته بعد كل السخرية الصحفية التي لحقته طوال سنتين من حكمه من الاعلاميين . لم يعرف تاريخ تونس المعاصر تهكما ونقدا لرئيس دولة مثلما ما فعل الصحفيون والنشطاء على المواقع الاجتماعية بشخصية المرزوقي حتى انه اصبح ظاهرة للتندر لا في تونس فحسب بل في المنطقة العربية بأكملها.
نفهم ان يشعر الرئيس المؤقت بالاهانة والغيض مما وقع له طوال العامين الاخيرين، فهذه فاتورة دولة الحريات، ولكننا لا نفهم ان يترك كل مهامه ويقوم بالتفرغ لتأليف كتاب يحارب به خصومه ويقوم بدور من المفترض انه من مهام قانون العدالة الانتقالية.
تفرغ المرزوقي للاعلاميين فضلا عن كونه تجاوزا لمهامه كرئيس جميع التونسيين فانه يمثل خاصة تعريضا لحياة تونسيين للخطر في ظرف تشهد فيه بلادنا اغتيالات سياسية وتهديدات ارهابية.
افرد المرزوقي لكل الذين انتقدوه وانتقدوا الترويكا قائمات طويلة من اسماء الاعلاميين الذين كانت لهم علاقة بالنظام السابق. أطلق المرزوقي على كتابه تسمية الكتاب الاسود اقتداء بالكتاب الاسود الذي اصدرته منظمات يهودية لفضح النازيين الذين أبادوا ستة ملايين يهودي أثناء الحرب العالمية الثانية و كذا الكتاب الاسود الذي اصدره ناشطون روس للتشهير بجرائم ستالين في الاتحاد السوفياتي سابقا.
بالتأكيد فان بن علي لم يكن بحال من الاحوال لا هتلر ألمانيا ولا ستالين الاتحاد السوفياتي ، ولم يتعرض الشعب التونسي في عهده للابادة . وما سواد كتاب المرزوقي الا تعبير عن غضب وطموح شخصي وانتقام من كل الذين سخروا منه من الاعلاميين. والكتاب تعبير عن ثأر وانتقام من المتسببين في محنة الفاقة والمتاعب الذاتية التي قضى المرزوقي شطرها مستقرا في عاصمة الانوار.
أخطر ما في كتاب المرزوقي الاسود، فضلا عن كونه انتقاما سياسيا من الاعلاميين، انه يمكن ان يعرض حيات العديد منهم للخطر. وبما أن المرزوقي استعار تسمية الكتاب الاسود من المرحلة النازية فبالتأكيد ان خصومه يمكن أن يستعيروا مصطلح “قائمة شيندلر” وهي قائمة اليهود التي وضعتها سلطات النازي لاعتقالهم ولقتلهم والاعتداء على كرامتهم وحرماتهم.
لن تحتاج التنظيمات الارهابية الى تسطير قائمات الاغتيال القادمة. للاسف رئاسة الجمهورية والمطبعة الرسمية قامتا بالواجب. القائمة جاهزة لمن يريد ان يقوم بالتصفيات وعمليات الاغتيال. ألم يفكر مستشارو المرزوقي في هذا الفرضية لحظة واحدة ؟!
نعم تونس تحتاج لعدالة انتقالية لن يكون كتاب المروزقي مدخلها. لم يكن كتاب المرزوقي الا تشهيرا ودعوة ضمنية للتعرض والاعتداء على الاسماء الواردة فيه من قبل جمهور من المتطرفين الذين لا ينتظرون الا الضوء الاخضر للقيام بهذه المهمة. بعض المتطرفين الدينيين في بلادنا يملكون المسوغ الديني والفتاوى لارتكاب الجرائم وهاهم مع كتاب المرزوقي يتحصلون على الفتوى السياسية للمضي قدما في تنفيذ جرائمهم.
لقد تحصلوا على الضوء الاخضر هذه المرة من رئاسة الجمهورية والتي كانت تمثل طوال تاريخ البلاد مصدر السلطات والكلمة الفصل.
احدى القنوات القريبة من حركة النهضة أتمت مهمة التحريض والكراهية ونشرت القوائم على المواقع والصفحات الاجتماعية الخاصة بهذا التيار. يجب ان نعود الى الاشهر والاسابيع الاخيرة التي سبقت قتل الشهيد شكري بالعيد لنتذكر ان حملات التشهير الشعبوية لجزء من الجمهور المتعطش للعنف لم تؤد الاالى العنف اللفظي ثم العنف المادي فالاغتيالات كما شاهدنا يومي 6 فيفري و 25 جويلية.
على الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي ان يتحمل مسؤوليته كاملة في اي اعتداء بالعنف او عمليات اغتيال يمكن ان تستهدف اي اعلامي في تونس مهما كان دوره في نظام بن علي. القضاء وحده هو الكفيل بمحاسبة من اخل بمقتضيات المهنة الصحفية. و ليس من مهام رئيس الجمهورية ان يقوم بدور القضاء. كما لا يجب ان تكون حملته الانتخابية على حساب اعراض ودماء الصحفيين والاعلاميين التونسيين.
إرسال تعليق